هل ستمطر أعينهم دمعاً حزناً علي؟؟
هل أستحق أن يبكي أحدهم من أجلي؟؟
ماذا قدّمت لهم ليحزنوا على فراقي؟؟
ماذا قدّمت لنفسي أصلاً؟؟
هل أستحق أنّ أُكفّن بالبياض؟؟
هل عملي الصالح كافٍ ليرجح في الميزان؟؟
و ماذا عن ذنوبي؟!؟
كم عددها؟؟
و سيغفرها الله لي؟؟
.
.
.
.
أعذروني على هذه التساؤلات الغريبة
و لكن
الموت حق
و سيزورنا جميعاً ليعلن نهاياتنا في يومٍ ما
فلابد أن يأخذ جزءاً و لو يسيراً من تفكيرنا
ألا يستحق ذلك!؟
.
.
.
موت كثير هنا و هناك
في كل يوم جديد نقرأ أسماء سبقتنا إلى هناك
إلى العالم الآخر
إلى البرزخ
حيث الحياة ..غير الحياة
لا أجساد هناك
أرواح فقط
تحوم في البرزخ
كلها كانت تسكن أجساداً صارت اليوم جثثاً هامدة لا معنى لها
راقدة في قبر صغير لا يشبه شيء إلا نفسه
تلك الأجساد كانت تنبض بالحياة
كانت مثلي أنا و أنت
و لكن
الموت اختطفها فجأة
و من دون سابق إنذار..
الموت يأتي بأشكال مختلفة
حادث سيارة
حريق
مرض
سكتة قلبية
أو أي شكل آخر لم نفكر فيه أو نتخيله
تعددت الأسباب و الموت واحد
نعم.. هو واحد مهما تعددت و اختلفت أشكاله
كلهم في النهاية ميتون
و لكن
ماذا لو جاء دورك؟؟
هل أنت مستعد؟؟
رحلة مصيرية مجهولة و مكتوبة على كل واحدٍ و واحدة منّا..
رحلة إلى النهاية
أو إلى البداية!؟
رحلة غريبة غامضة إلى عالم لا نعرفه
و لم نسمع عنه قط
رحلة بعيدة إلى مجهول
و المحطة... القبور
القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار.. هكذا قال رسولنا صلى الله عليه و سلّم
أين ستكون؟؟
في الروضة، أم في الحفرة؟؟
لنتخيّل المشهد
التراب يحيط بك من كل مكان
و الكفن لباسك.. و شق صغير في الأرض هو بيتك
فرشي التراب يضمني و هو غطائي
حولي الرمال تلفني بل من ورائي
و اللحد يحكي ظلمة فيها ابتلائي
و النور خطّ كتابه أنسي لقائي
وحيداً في منزلك الجديد.. غريبا في وحدتك
انفضّ الجميع من حولك.. و بقيت أنت في شقّك الصغير.. غريباَ
ليس الغريب غريب الشام و اليمن
إن الغريب غريب اللحد و الكفن
وحيداً.. لا تملك سوى عملك... أيّ عمل؟؟
عملك الصالح . قطعاً
صلاتك.. صيامك.. عباداتك
استغفارك.. و ذكرك
علمك.. ماذا صنعت به
اموالك.. كيف انفقتها
وقتك.. كيف استغليته
و ذنوبك.. كيف هو حالها؟؟؟
و لي بقايا ذنوب لست اعلمها
الله يعلمها في السر و العلن
ما أرحم الله عنّي حيث أمهلني
و قد تماديت في ذنبي و يسترني
تمر ساعات أيامي بلا ندم
و لا بكاء و لا خوف و لا حزن
أنا الذي يغلق الأبواب مجتهداً
على المعاصي و عين الله تنظرني
يا زلة كتبت في غفلة ذهبت
يا حسرة بقيت في القلب تحرقني
يأتي الموت فجأة.. ليأخذنا منهم جميعاً
ما حال الأهل و الخلّان حينها؟؟
كأنني بين تلك الأهل منطرح
على الفراش و أيديهم تقلبني
كأنني و حولي من ينوح و من
يبكي عليّ و ينعاني و يندبني
و قد أتوا بطبيب كي يعالجني
و لم أرى الطب هذا اليوم ينفعني
و استخرج الروح منّي في تغرغرها
و صار ريقي مريراً حين غرغرني
و اشتد نزعي و صار الموت يجذبها
من كل عرق بلا رفق و لا هون
و سلّ روحي و ظلّ الجسم منطرحاً
بين الأهالي و أيديهم تقلبني
هذا الذي لا مفر منه قد جاء
الموت
مفرق الأحباب.. و.. هادم اللذات
سبحان الله..!
و من يدري متى يومي
و متى هو يومك؟!؟
و لأن إكرام الميت دفنه
يسارع الأهل باستكمال إجراءات الغسل و الدفن
لتنتقل جثتك إلى مكانها الطبيعي
و سار من كان احب الناس في عجل
نحو المغسل يأتيني ليغسلني
و أضجعوني على الألواح منطرحاً
و قام في الحال منهم من يغسلني
و أسكب الماء من فوقي و غسلني
غسلاً ثلاثاً و نادى القوم بالكفن
و ألبسوني ثياباً لا كمام لها
و صار زادي حنوطاً حين حنطني
و أخرجوني من الدنيا فوا أسفاً
على رحيل بلا زاد يبلغني
و حملوني على الأكتاف أربعة
من الرجال و خلفي من يشيعني
و بعد الغسل و التكفين.. يحين وقت الصلاة
صلاتك.. ستكون من دون أذان و لا إقامة..
لأنك.. حينما خرجت من بطن أمك مسلماً.. أذّن في اذنك و تمت الإقامة في الأخرى..
فكأنما حياتك كانت تلك الفترة القصيرة بين الإقامة.. و تكبيرة الإحرام..
و حان الوقت الآن لتكبيرة الإحرام.. و البدء بالصلاة عليك..
و قدموني إلى المحراب و انصرفوا
خلف الإمام و صلى ثم ودّعني
صلّوا علي صلاة لا ركوع لها
و لا سجود لعل الله يرحمني
بعد الصلاة
يأتي الوقت لتخرج من الدنيا
و لتنزل إلى منزلك الجديد
بين ذرّات الرمل.. و الدود
تعود إلى أصلك
" كلنا من آدم و آدم من تراب"
" منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى" سورة طه
ينزلونك إلى منزلك الجديد
( و بإذن الله يكون منزلاً مباركاً و روضة من رياض الجنّة)
و أنزلوني إلى قبري على مهل
و قدّموا واحداً منهم يلحدني
و كشف الثوب عن وجهي لينظرني
و أسبل الدمع من عيني و قبّلني
و قال هلّوا عليه التراب و اغتنموا
فضل الثواب و كل الناس مرتهن
و حينها
سيذهب الأهل و الأحباب و يغادروك
حيث تسمع خطوات اقدامهم التي تبتعد شيئاً فشيئاً
و أنت في قبرك.. أو بيتك الجديد
و هالني إذ رأت عيني إذ نظرت
من هول مطلع إذ كان أغفلني
من منكرٍ و نكيرٍ ما أقول لهم
قد هالني أمرهم جداً فأفزعني
و أقعدوني و جدّوا في سؤالهم
مالي سواك إلهي من يخلصني
فامنن عليّ بعفوٍ منك يا أملي
أمنن على تارك الأولاد و الوطن
هذه نهاية البداية.. أو بداية حياتك الجديدة الأخرى
و لكن الحياة هناك
أعني عند الأحياء.. تستمر و تجري كما كانت
فهي لا تنتهي بنهايتك
و لكنها قد تبدأ من جديد بعد رحيلك
تقاسم أهلي الميراث و انصرفوا
و صار وزري على ظهري يثقلني
و استبدلت زوجتي بعلاً لها بدلي
و حكّمته في الأموال و السكن
تركت لهم الدنيا و المال و كل شيء
و عدت من جديد إلى التراب.. كما بدأت
و الأهل أين حنانهم.. باعوا وفائي
و الصحب أين جموعهم.. تركوا إخائي
و المال أين هناؤه.. صار ورائي
و الإسم أين بريقه.. بين الثنائي
هذي نهاية حالي.. فرشي التراب
أين الأهل.. أين المال و الولد..أين الاسم.. أين الدنيا باكملها؟؟؟
فلا تغرنّك الدنيا و زخرفها
أنظر لأفعالها بالأهل و الوطن
و انظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها
هل راح منها بغير الحنط و الكفن
فلنعمل.. لموت جميل.. و لروضة من رياض الجنّة.. و للثبات عند السؤال
قال الله سبحانه وتعالى:
" يثبّت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة"
سورة إبراهيم
خذ القناعة من دنياك و ارض بها
لو لم يكن فيها إلا راحة البدن
يا نفس كفّي عن العصيان و اكتسبي
فضلاً جميلاً لعل الله يرحمني
يا نفس ويحك توبي و اعملي حسناً
عسى تجازين بعد الموت بالحسن
و في النهاية لا أقول سوى
و الخوف يملأ غربتي
و الحزن دائي
أرجو الثبات و إنه قسماً دوائي
و الرب أدعو مخلصاً.. أنت رجائي
أبغي إلهي جنّة فيها هنائي
" يا مثبّت القلوب ثبّت قلوبنا على دينك
و اجعل لنا في قبورنا صلاة و نورا
و اجعل قبورنا رياضاً من رياض الجنَة
و لا تجعلها حفر من حفر النّار
و ارحمنا برحمتك الواسعة التي وسعت كل شىء